القائمة الرئيسية

الصفحات

📜 كيف تقوّي صلتك بالله في زمن الفتن؟


تمهيد:

 نعيش في زمنٍ ازدادت فيه الفتن وتشابكت المسالك وانفتحت أبواب الشبهات والشهوات على مصراعيها، حتى أصبح الثبات على الإيمان، والتمسك بالحق، والعيش بقلب سليم في وجه هذه العواصف تحديًا يوميًا لا يُستهان به. في عالم تتعدد فيه المغريات وتغيب فيه المعايير، أصبح الحفاظ على الصلة بالله سبحانه وتعالى ملاذًا لا غنى عنه، وضرورة تفرضها الحاجة إلى الطمأنينة، الثبات، والنجاة.



الفتن في هذا الزمن:

 لم تعد الفتن محصورة في جانب معين من الحياة، بل غزت البيوت، وهواتف الجيوب، والمنصات، والأفكار، والقلوب. فتن في الاعتقاد، وفتن في الأخلاق، وفتن في المبادئ، وفتن في الشهوات، حتى أصبح العيش على بصيرة والنجاة من هذه التيارات المتلاطمة عملًا جهاديًا من نوع خاص. ولأن القلوب ضعيفة، والفتن كثيرة، فإن السبيل الوحيد للنجاة منها هو أن نتشبث بالله، لا مرة، بل كل لحظة.


علامات ضعف الصلة بالله:

 قد لا يشعر الإنسان تدريجيًا بتراجع علاقته بربه، لكن هناك مؤشرات تكشف ذلك: فقدان لذة العبادة، غياب الخشوع، التعلق المفرط بالماديات، التهاون في الطاعات، التسرع في المعاصي، التردد في التوبة، برودة في القلب تجاه آيات الله، وافتقار دائم للسكينة. هذه العلامات هي نداء داخلي أن هناك شيئًا انكسر في العلاقة مع الله ويحتاج إلى ترميم فوري.


أسباب ضعف الصلة بالله في هذا العصر:

 من أبرز الأسباب الانشغال الدائم بالحياة دون لحظة توقف للتأمل أو التذكّر، الانغماس في الملذات الحسية، التعرض اليومي لمحتوى يضعف الإيمان دون وعي، الاعتياد على المعاصي الصامتة، مثل الغيبة، والرياء، والنفاق الداخلي، والانقطاع عن القرآن، وضعف الصحبة الصالحة. هذه العوامل تضعف القلب تدريجيًا حتى يصبح غافلًا وإن ظن نفسه ما يزال بخير.


خطوات عملية لتقوية الصلة بالله:

 أولًا: المداومة على الذكر: ليس المقصود فقط الذكر اللفظي، بل الذكر القلبي، استحضار الله في كل لحظة، في القرار، في السكون، في الانفعال، في العلاقة بالناس.

 ثانيًا: العودة الصادقة للقرآن: لا بالقراءة السطحية، بل بالفهم والتدبّر والمناجاة. القرآن ليس كتاب تبرّك، بل كتاب توجيه وهداية وتزكية.

 ثالثًا: المحافظة على الصلاة في وقتها بخشوع كامل، فهي الصلة اليومية المباشرة بين العبد وربه، وإن اختلت الصلاة اختلّت العلاقة كلها. 

رابعًا: الإكثار من الدعاء: فهو عبادة القرب، وشريان الروح، وفيه اعتراف ضمني بالافتقار الكامل إلى الله. 

خامسًا: ترك المعاصي الظاهرة والخفية، فكل ذنب هو حجاب، وكل حجاب هو ضعف في النور، وبتراكم هذه الذنوب تُغشى القلوب فلا تعود ترى ولا تهتدي.

 سادسًا: اختيار الصحبة الصالحة التي تُذكّرك إذا نسيت، وتعينك إذا ضعفت، وتدفعك إذا توقفت.



استعادة القلب بعد طول غياب:

 قد يمر الإنسان بفترة من التيه الروحي، يشعر أنه ضائع بين الحياة والدين، بين الرغبات والواجبات، بين ذاته وبين ربه. وهذه المرحلة، مهما كانت قاسية، يمكن أن تكون نقطة تحول عظيمة إذا أُحسنت إدارتها. العودة إلى الله لا تحتاج إلى معجزة، بل إلى قرار. لحظة صدق واحدة مع النفس تكفي لتفتح أبوابًا كانت مغلقة، وتسري في القلب نورًا لم يكن يُرى. الرجوع ليس ضعفًا، بل هو شجاعة روح تعترف بأنها لا تطيق البعد أكثر.


كيف نحافظ على الصلة بعد استعادتها:

 من أكبر الأخطاء أن يظن الإنسان أن العودة كافية، فالصلة بالله لا تُبنى مرة وتنتهي، بل هي بناء مستمر. الحفاظ على الإيمان في زمن الفتن يحتاج إلى مراجعة دائمة، وتوبة متجددة، وتحصين متواصل، وعمل خفي لا يعرفه إلا الله. لا بد من المجاهدة، لا بد من الصبر، لا بد من إيثار ما عند الله على كل ما سواه، لا بد من استشعار أن كل لحظة تقضيها بعيدًا عن الله هي لحظة ناقصة مهما بدا فيها من متعة.


أثر الصلة بالله في مواجهة الفتن: 

حين يكون القلب موصولًا بالله، فإنه لا يتأثر بالريح مهما اشتدت، ولا ينخدع بالبريق مهما سطع. القلب المطمئن بالله لا تفتنه الدنيا، لأنه يرى حقيقتها. لا يغريه المنصب لأنه يعلم زواله، ولا يخيفه الخلق لأنه يرجو الخالق، ولا يضيع في الزحام لأنه يهتدي بنور الإيمان. هذه القوة الداخلية ليست خيالًا بل ثمرة لصلة حقيقية بالله تنمو مع الأيام وتثمر وقت الشدائد.


الدعوة إلى الله كوسيلة لتثبيت الإيمان:

 من وسائل تقوية العلاقة بالله أن تدعو إليه، فالدعوة تجعلك في حالة دائمة من اليقظة والتذكّر، وتُحمّلك مسؤولية أن تكون قدوة، وتُربّيك قبل أن تُربّي غيرك. فمن ينشغل بهداية غيره، يهتدي هو أيضًا. ومن ينصح غيره، يحاسب نفسه. فاجعل لك دورًا في محيطك، حتى بكلمة طيبة، أو مشاركة علم نافع، أو توجيه مهذب، فإنك بذلك تحيي نفسك قبل غيرك.


خاتمة موسعة:

 الصلة بالله هي الملاذ حين تضطرب القلوب، وهي السكينة في زحمة التوتر، وهي النور حين يعم الظلام. لسنا بحاجة إلى ظروف مثالية لنعود إلى الله، بل نحن بحاجة إلى عزيمة، وصدق، ورغبة في النجاة. اقترب الآن، لا تؤجل. استعد قلبك، وأعد صياغة حياتك على نور الإيمان، وتذكّر أن أعظم النعم هي أن تظل متصلًا بمن لا يتغير ولا يزول. الصلة بالله هي المعنى العميق للطمأنينة، وهي حصنك في الدنيا، ورفيقك إلى الآخرة.